أحدث الأخبار

سلام يصحبك إلى دار الأبدية والخلود محفوف بدعوات الملايين العلنية وأنت الذي كانت بطولاتك الكثيرة سرية بين

يكتب,مقالات,المؤشر,عبد الحكم عبد ربه,الريس زكريا,وداعًا الريس زكريا

رئيس التحرير
عبد الحكم عبد ربه
سلام وتحية يا ريس زكريا!

سلام وتحية يا ريس زكريا!

سلامٌ يصحبك إلى دار الأبدية والخلود، محفوف بدعوات الملايين «العلنية» وأنت الذي كانت بطولاتك الكثيرة «سرية» بينك وبين الله ومصر، وقليلها خُبرنا به فـ«انتشينا» زهوًا وفخرًا.. سلامٌ معطر بأنفاس صباح بكر، انبثق من ليل هادئ نامت فيه الأراضي المصرية مرّات ومرّات هانئةً مطمئنةً وعيونك المخابراتية ظلت فيه ساهرةً لا تنام، ترصد وتراقب دود العدو الزاحف في بطن الأرض منتظرًا لحظة الخروج.

نُعظّمك بجلالة وعظمة مصر التي عظّمها رجال مثلك، كانوا أمام وخلف ووسط العدو، يُفشلون خططه وتدبيره، ويردون كيده في نحره، ببطولات سجلها التاريخ وشهد عليها الأعداء قبل الأصدقاء، فظلت مبعث فخرنا ويقننا بأن للوطن رجال تذود عنه، لا تُدبر وقت الشدائد.

اللواء عبد السلام المحجوب «المحبوب» الذي رحل عن عالمنا بالأمس عن عمر يناهز الـ87 عامًا، كان من رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه، فما بدلوا تبديلًا، طوال سنوات قضاها في حصن مصر المانع «جهاز المخابرات المصرية» ومن بعدها مناصب مدنية عديدة أدار فيها دفة وزارة التنمية المحلية ومحافظتي «السويس والإسكندرية» بكل كفاءة وإقتدار شهد لها الجميع.

 

(1)

بعد هزيمة «67»، حاولت إسرائيل إذلال مصر بكل الطرق والأساليب، متناسية بأن مصر وشعبها وقادتها ورجالها لا يقبلون بالذل وأن العزة طعامهم؛ فأعلنت التنقيب عن البترول في خليج السويس في واحدة من عمليات استعراض البلطجة الصهيونية على الأراضي المصرية، ولجر مصر ـ التي كانت تجهز لاسترداد الأرض ـ لرد فعل علني تتخذه ذريعة لضرب حقل البترول والقضاء على إمداد الجيش.. تبجحت إسرائيل وأعلنت أمام مسامع «العالم الأصم» بأنها ستنقب عن البترول في خليج السويس، واشترت أكبر حفار لبدء مخطط عملية الاستيلاء على البترول المصري. التحدي كان كبيرًا؛ فلا يعلم رجال مصر اسم الحفار، ولا مكانه، ولا خط سيره، لا يعلمون غير أن كرامة أجيال على المحك، وإرادة شعب توشك أن تُقصم، ومطلوب منهم نبش الأرض والبحث عن «كنتينج» سارق بترول مصر القادم من كندا.

 

(2)

كان رجل المخابرات عبد السلام المحجوب المسؤول عن تأمين خروج الديناميت المستخدم في تفجير الحفار، وكم كانت العملية خيالية وشائكة، تتطلب نقل المتفجرات من دولة لأخرى دون كشفها في رحلة تتبع مسيرة الحفار الإسرائيلي حتى موعد ساعة الصفر، التي كانت صعبة ودقيقة للغاية، قبل أن يشهد العالم كله تدمير الحفار الإسرائيلي أثناء توقفه في «أبيدجان» بساحل العاج يوم 8 مارس عام 1970.

كانت شخصية «الريس زكريا»، واحدة من شخصيات بطولات رجل المخابرات عبد السلام المحجوب، الضابط الذي استطاع أن ينقذ «أحمد الهوان»، من السقوط في فخ إسرائيل ويصنع منه أشهر عميل مزدوج في تاريخ الجاسوسية، في ملحمة جسدتها الدراما المصرية بمسلسل «دموع في عيون وقحة» ودور «جمعة الشوان» الجاسوس المزدوج، وكان المحجوب بطل عملية صفع المخابرات الإسرائيلية وكشف شبكة جاسوسيتها في مصر والحصول منها على أصغر وأسرع جهاز تجسس لا يوجد سوى 4 نسخ منه في العالم ـ بذلك الوقت ـ لتنتهي الجولة بعبارة «شكرًا لحسن تعاملكم معنا».

بكل تأكيد، في كل عملية مخابراتية قام بها الراحل العظيم اللواء عبد السلام المحجوب، كانت التفاصيل الواقعية أكثر تشابكًا وأدق تفصيلًا، مهما حاولت الدراما المصرية الاقتراب منها ونقلها ولو قليلًا، ففي ثنايا الواقع ما هو أغرب وأصعب من الخيال. تاريخ «المحجوب» حافل بالبطولات والمحطات المُضيئة منذ تخرج من الكلية العسكرية وعمل بجهاز المخابرات العامة، وكانت كل عملية قام بها شهادة فخر واعتزاز له ولنا.. رحم الله اللواء عبد السلام المحجوب، ووداعًا يا ريس زكريا.