أحدث الأخبار

ليس هناك شك على الاطلاق في كون الاستقلال هو المفتاح الأول للرخاء الاقتصادي والرقي والمجتمعي الرخاء والرقي الل

سد النهضة,المؤشر,مصر,أثيوبيا,أفريقيا,التاريخ,عاصم الدسوقي

رئيس التحرير
عبد الحكم عبد ربه

المؤرخ عاصم الدسوقي في حواره لـ"الموشر": إسرائيل العقل المدبر لسد النهضة

عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان  المؤشر
عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان

ليس هناك شك على الاطلاق في كون الاستقلال هو المفتاح الأول للرخاء الاقتصادي والرقي والمجتمعي، الرخاء والرقي اللذين لا بد منهما لكل الشعوب والبلدان، فبدونهما - أي الرخاء والرقي - لا سبيل للتحرر السياسي الكامل.

 ربما تبدو هذه المعادلة معقدة وغامضة، رغم مرور ما يزيد عن ستة عقود على التحرر الافريقي من قيود الاستعمار الغربي، إلا أنها لازالت تزداد ارتباكًا يومًا عن اليوم الذي يليه.. ومن أجل فك طلاسم هذا التعقيد الراسخ في المعادلة الأفريقية، رغم تهافت الشرق والغرب على كنوزها وثرواتها، قررنا الذهاب في رحلة عبر التاريخ لعلنا نستطيع ايضاح بعض من ذلك الالتباس، فكان حوارنا المطول مع الدكتور عاصم الدسوقي، الأستاذ في التاريخ المعاصر، العميد الأسبق لكلية الأداب جامعة حلوان.

في هذا الحوار أردنا من الدكتور الدسوقي أن يبين لنا مفهومه للتاريخ وكيف له أن يؤثر في الحاضر ويشارك في صياغة ملامح المستقبل، وهو بالظبط ما سعينا إليه أملًا في اسقاط هذه المفاهيم على الواقع الحالي وقضاياه الراهنة، التي يأتي الاستقلال بشقيه الاقتصادي والسياسي على رأسها.. وفي ذمرة الحديث عن تلك العناوين العريضة استطرد الدكتور الدسوقي في الحديث عن الكثير من التفاصيل المتعلقة بتدخلات بعض القوى في الشأن الأفريقي، مناقشًا ما ورائيات هذه التدخلات وأسبابها وأهدافها.

 وإلى نص الحوار..

 

 

  • ماذا عن ماهية التاريخ في نظرك، وهل يوجد فيه فن أو أدب، وفقًا لمقولة ابن خلدون الشهيرة "إن فن التاريخ فن عزيز المذهب"؟

 

      حد (التاريخ) لا حد له، وان تحدثنا عن حده، فهو كبير للغاية، وبما عنه وعما له يعد علمًا ضخمًا بما فيه الكفاية، بما يعني اختصارًا "إن التاريخ علم".. وايضاحًا "إنه العلم الواجب استقلاله"، أي يتحتم استقلاله عن السياسة وعن الدين، مثله كمثل علوم الطب، التي يقوم العاملين عليها بتشريح الحيوانات مثالًا، لاكتشاف خبايا أعضائها الداخلية وأسرارها، ومن ثم استنباط أنواع الداء، وبالتالي صنع الدواء لعلاج الداء، وهو ما يفيد الانسان بالضرورة، بعدما يتم اسقاط ما يتم التوصل اليه عبر الحيوان على الانسان من الناحية الجسمانية المجردة، لذا لا يحبذ أن يقال حول هذه العملية التشريحية تجوز شرعًا أو لا تجوز، وهكذا تنطبق الحال على علم التاريخ.

وكذلك من جانب السياسة، لا يصح للباحث في التاريخ توظيف المعلومات لصالح السياسة القائمة أو التي يؤيدها قديمًا كانت أو حديثًا، بما يضمن استقلالية التاريخ، وعند عمل الباحث في التاريخ عن قضية معينة أو حدث ما، لا مناص عن دراسة الظروف الموضوعية المصاحبة لهذا الحدث أو تلك القضية في ضوء هذه الظروف.. ولا يحق للباحث الحكم والتوصيف وابداء الرأي، فقط البحث والتفسير، والباقئ للقارئ والمهتم.

  • اذن كيف ينبغي لقارئ التاريخ والمهتم به أن يقرأه، بما يفيده، ان جاز التعبير، فإن كانت هناك قواعد يلتزم بها الباحث لكتابته كما ذكرت، لا شك بوجود قواعد لقراءته تضمن انتفاع القارئ حسبما كانت طبيعيته او اعتباريته؟

      للتاريخ مصادر، والمصادر تحمل بين طياتها الخبر، المسجل من قبل هواة جمع الأخبار وتسجيلها، بل واحترافها مثلما كان يفعل على سبيل المثال (عبدالرحمن الجبرتي) في التاريخ الحديث، عاش حياته في حارة الصنادقية بجوار الجامع الأزهر بالقاهرة، يسجل ما سمعه  وما شهده، وهنا على القارئ أن يميز حين يقرأ بين قول الكاتب "شاهدت" و "سمعت"، أي بين ما رأه المؤرخ وبين ما سمعه نقلًا.

وبجانب الجبرتي وغيره من المؤرخين على مدار التاريخ، يوجد ما نعرفه اليوم بـ"الأرشيف" الذي يحوي كافة الكتابات أو التسجيلات والمراسلات والاجتماعات والإجراءات المتعلقة بالسياسة والسياسيين، وهذا أيضًا من المصادر الهامة في مسيرة البحث والدراسة التاريخية، فالذي يدرس في التاريخ عليه أن يبدأ في البحث عن الواقعة أو الشخص أو الزمن الذي يكتب عنه من خلال الغوص في هذه الملفات والوثائق والمذكرات، وهناك فرق بين المذكرات التي يكتبها الشخص بنفسه ويتركها دون نشر، وهناك فرق بين المذكرات التي يكتبها وينشرها وهو حي، وتفرق في درجة المصداقية والثقة، ومن ضمن المصادر التي ظهرت حديثًا في التاريخ الصحافة، بمعنى أنها تذكر خبر.

لذا قال "ابن خلدون"  في مقدمته الشهيرة أن التاريخ في ظاهره حوادث ولكن في باطنه تحليل دقيق للأمور، فالأمر ليس مجرد حوادث تذكرها، ولكن هي مجرد رصد ولذلك نسعى إلى معرفة أسبابها وما وراءها وذلك هو التاريخ الذي في باطنه تحليل عميق للأمور، في ظاهره أحداث.  

  • هل هناك ما يمكن أن نطلق عليه الهوية الأفريقية، يراد بها النظر الى الشعوب القاطنة في الشمال الأفريقي كما ينظر الى تلك الواقعة جنوب الصحراء.. أو بالتقريب، أين الهوية الأفريقية وفقًا للمعايير المعروفة بحسب ظنكم؟

الجغرافيا هي التي تحكم أفريقيا من هذه الناحية، لكن لمفهوم "الهوية" معايير أخرى ترتبط بشكل ما مباشر وغير مباشر باللغة، حيث الجغرافيا وحدها ليست كافية في هذا المقام.

 لو أخذنا مصر كمثال، فهي أفريقية بحكم الجغرافيا، ولكن من حيث الهوية فهي "عربية" وفقًا لـ "اللغة" بالدرجة الأولى، واللغة هنا مقصودة بمفهومها الواسع المرتبط بالتاريخ والجغرافيا والثقافة والاجتماع والفلسفة.

  • اذن أين الدين في مفهوم الهوية كما عٌرف بالتأريخ؟

 مسألة الدين في عمومياتها عابرة للجغرافيا واللغة، ومجال انتشاره مسموح ومقبول في كل الجغرافيات وبكل اللغات، نرى أن الإسلام في الكل والمسيحية في الكل وهكذا، والهوية المتعارف عليها تعود الى اللغة، تلك التي نبحث عنها في التاريخ، ووفقًا للتاريخ نعرف أن أبناء الهوية الواحدة هم الذين يتكلمون لغة واحدة ليفهموا بعضهم البعض.

ولتوضيح المعني يمكننا تطبيق المفهوم على القارة الأوروبية، فهي تضم عدة قوميات نتيجة وجود عدة لغات جاءت نتيجة اعتماد اللهجة المنطوقة وتحويلها إلى لغة كتابة، والمعروف أن اللغة القديمة في أوروبا هي اللغة اللاتينية التي توازي اللغة العربية بالنسبة للشرق.

كانت اللاتينية لغة كتابة فقط، أما لكل شعب طريقته في النطق والحديث تختلف من مكان لأخر، كان للشعب الايطالي لهجته التي تختلف في نطق الحروف عن الفرنسيين والألمان وهكذا إلى آخره، الى أن جاء القرن السادس عشر فحدث هذا التطور مع ظهور مارتن لوثر، الكاهن الذي خرج عن الكنيسة الكاثوليكية، حاملًا فكرًا مستنيرًا، وجد أن كهنة الكنسية الكاثوليكية ومقرها روما "الفاتيكان" يتكلمون عن طقوس لا أصل لها في الإنجيل المكتوب باللغة اللاتينية، منها صكوك الغفران بما هو معروف عنها، بذهاب المذنب إلى الكنيسة والاعتراف بذنبه من وراء ستار ودفع مال مقابل صكوك الغفران، وبناءًا على ذلك يمنح وثيقة بأنه تم غفران ذنبه، وهنا تنبه "لوثر"إلى أن هذه تجارة لا أساس لها في الدين وبدأ ينتقد طقوس الكنيسة، ولكن لم يصدقه أحد، وهنا عمل على اقناع الجماهير عبر ترجمة الكتاب المقدس الى اللهجة الألمانية، حتى يتسنى لهم قراءته وفهمه بسلاله ما كانت متاحة لهم عندما كان مكتوبًا باللاتينية فقط، وهكذا سار الأمر على نفس المنوال بالنسبة للهجات الأخرى.

وبالمناسبة هذا ما أخشاه على اللغة العربية، فلو استمرت البلاد العربية بالاعتناء بالعامية والاستغناء رويدًا رويدًا عن الفصحى كما يبدو في الوقت الراهن، ربما تكون "العربية" في خطر يهددها، وبعض من في الغرب يشجع على ذلك من أجل تفكيك رابطة العروبة الكامنة في "اللغة" على المدى البعيد.

وايجازًا، إن اللغة هي الهوية وليس الدين هو الرابط القومي فربما يعد هنا اختزال، فإذا كان الدين هو الهوية لكان العالم كله ثلاث دول فقط إسلامية ومسيحية ويهودية.

 

  • إلى أى مدى يمكن أن تعتبر أفريقيا مهمة لدى الدائرة العربية؟

لا شك في أن الاهتمام بالدائرة العربية يلزمه اهتمام بالدائرة الأفريقية والدائرة الاسلامية، وأي اهتمام لأي دولة عربية بذاتها يلزمه أيضًا مشاركة اهتمامات كل البلدان العربية من الخليج الى المحيط، وبالتالي من الضرورة الاهتمام بأفريقيا.

وهذا ما تنبهت له إسرائيل، التي تريد دائمًا ان تقطع الطريق الى أفريقيا على العرب والمسلمين، فعملت على تقوية علاقتها مع تركيا التي اعترفت بإسرائيل وتعد تركيا من الدول المدرجة ضمن الدائرة الاسلامية، وكذلك إيران منذ عهد الشاه، والحبشة أي أثيوبيا، وهذا كي تخنق الدائرة العربية.

 

  • وبالمناسبة إلى أي مدى نجحت الدول العربية في الوصول الى أفريقيا، وعلى نفس الذكر البعض يعتقد أن مصر فرطت في السودان بما جرى من انفصال في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهو ما يعتبر في جزء منه استغناءًا عن أفريقيا؟

في وقت سابق، نجحت مصر في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية وحاولت حل كافة المشاكل الحدودية بالسلام، مثل مشكلة الصحراء الكبرى بين المغرب وموريتانيا والجزائر، اضافة الى انضمام بعض البلدان الأفريقية الى الجامعة العربية كالصومال وموريتانيا اعتمادًا على اللغة.

 

أما مسألة اعتبار البعض أن مصر فرطت في افريقيا، فهذا مفهوم خاطئ، وهنا قد نقسم الاجابة لعدة نقاط:

  1. السودان لم يكن جزءًا من مصر التي تنتهي جغرافيًا عند الشلالات، والمانع هنا ليس مانعًا قوميًا أو إسلاميًا، بل مانع جغرافي، في الزمن القديم لم يكن الانسان قادرًا على تخطي الشلالات، لذلك اعتبرت الشلالات هي الخط الفاصل بالنسبة للحدود المصرية في الجنوب، وكذلك البحر المتوسط من الشمال لأنه مانع مائي كبير، ومن الشرق أيضا مانع مائي وهو البحر الأحمر، ومن الغرب الصحراء الممتدة، والانسان في الزمن القديم لم يكن لديه الخبرة لاقتحام هذه الموانع. بينما ما حدث ان السودان دخلت في الحدود مع مصر في عهد وولاية محمد علي، وهنا أصبحت بالمعنى المعاصر مستعمرة مصرية، عقب دخول محمد علي بجيشه إلى السودان لضمها.. ومن الأسباب التي يدرسها الطلاب المؤدية لفتح السودان، كان البحث عن الذهب لأنه في ذلك الوقت كان الذهب هو العملة المتعامل بها، وكان يؤتى به اما بالبحث عنه في أرضك أو بالبحث عنه في أرض أخرى، وذلك ما فعله محمد علي ليكون غني ولديه الكثير من هذا المعدن النفيس، بدخوله إلى السودان للبحث عنه وليس من أجل التوسع، وهكذا أصبحت السودان في حيازة مصر أثناء حكم محمد علي.  
  2.  بعد ذلك خضعت مصر للاحتلال البريطاني وبالتالي وقعت مصر والسودان تحت الاحتلال البريطاني ويوجد اعتراف عالمي بذلك، ابان أزمة محمد علي مع انجلترا وفرنسا والسلطان العثماني ومؤتمر برلين  1840 الذي حدد نطاق تحركات القوات العسكرية المصرية بعد توغل محمد علي وقدرته على القضاء على الدولة العثمانية.. حيث عقدت انجلترا وفرنسا والنمسا مؤتمرًا، قررت به اعتماد مصر ولاية وراثية في أسرة محمد علي بدلأ عن كونها ولاية عثمانية يأتيها الوالي من أسطنبول، بعد ذلك جاء الاحتلال البريطاني عام 1882 فاحتل مصر والسودان.  
  3. للعلم فان "السودان" وقتها لم يكن مقصودًا به المنطقة الجغرافية المعروفة حاليًا بالسودان، ولكنه كان اسم  صفة أطلقه الترك على الشعوب الأفريقية، فالسود هي الصفة والالف والنون في اخر الكلمة التركية تعني الجمع، فالمقصود بالسودان "بلاد السود"، بداية من جنوب مصر بعد الشلالات حتى جنوب إفريقيا.
  4. تم فيما بعد تقسيم إفريقيا إلى دول من قبل الاستعمار فكانت عبارة عن  قبائل قسمها الاستعمار وفرض لغته على هذه البلاد فبعض البلاد تم تسميتها على أسماء من اكتشفوها من الفرنسيين أو الإنجليز فعلي سبيل المثال لييبريا هو اسم أمريكي،عندما اندلعت ثورة ضد العبودية في أمريكا في القرن التاسع عشر، قرر إبراهام لينكولن تأسيس مستعمرة ليبيريا وأعطاها اسم الحرية وقال لهم من يريد الفكاك من العبودية يعود إلى إفريقيا، وهكذا على نفس المنوال، استعمرت القوى الأجنبية في أفريقيا اما استغلالًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وغيرها من الأسباب.  
  5. بناءً على سالف الذكر، أصبغت كل قوى  لغتها المحلية على المستعمرة الخاصو بها، وظل هكذا الأمر حتى قيام حركة التحرر الوطني عام1960م، وهو العام الذى وصفته الأمم المتحدة بعام أفريقيا، وتم تحديد هذه البلاد وفقًا للدولة المحتلة، وحتى اليوم الافارقة يتحدثون اللغات الأوروبية، ولهجتهم الخاصة يستخدمونها داخل منازلهم فقط.
  • لماذا لم يفكر العرب في العصر الذهبي للمسلمين بالتوسع في أفريقيا؟

العرب تطلعوا أكثر إلى الشمال الذي جاء منه الغرب، ولم يهتموا كثيرًا في الجنوب الأفريقي، في حين ان أنسب انتشار في أفريقيا كان مدخله الدين، وبعد عقود طويلة فطن الغرب للأمر حينما استساغوا غزو أفريقيا نجحوا في نشر المسيحية، بخلاف العرب المسلمين كان تحركهم بطئ بعض الشئ.

 

الغرب دخل للوثنين في إفريقيا من خلال الطبيب المتدين والمهندس الراهب الخ الخ، وليس من خلال رجل الدين التبشيري فقط، فبينما يقوم الطبيب بدوره في علاج المرضى يقوم بحثه على تعاليمه وذكره للمريض بأن المسيح هو من شفاه، وهذا ما كان يؤتي بثماره سريعًا.

وهذا الأسلوب كان سبب تدريس العلوم الانسانية والمدنية في الأزهر مثل الطب والهندسة.

  • وكيف ترى دور الأزهر الشريف في أفريقيا؟

نجحت تجربة الأزهر في الدخول إلى أفريقيا نوعًا ما في الستينيات عقب انقضاء عصر الاحتلال الغربي للبلدان الأفريقية، وعلى ما أعتقد أن التجربة لم تنجح بشكل كامل حتى الأن، بخلاف المنتظر من الأزهر في تلك المساحة الواسعة والمهمة.

 

  • في الوقت الحاضر لاشك أن الحالة الأفريقية مختلفة تمامًا عما كانت عليه قبل زوال الاحتلال، لكن في رأيك هل تنعم أفريقيا حاليأ بالتحرر التام من أية سيطرة خارجية؟

وفقًا للتعريف التقليدي للاستعمار الذي نعرفه في القرن التاسع عشر، بدأ على خلفية الثورة الصناعية التي حدثت في أوروبا، وانطلقت تحديدًا من انجلترا.

وقبل ذلك أود الإشارة الى عصر ما قبل الثورة الصناعية، حيث كانت الصناعة لا تزال يدوية، لم تكن تمتلك أوروبا المواد الخام، فكانت تقوم برحلات إلى الشرق والشام حتى الهند للحصول على المواد الخام، وخلال هذه الرحلات اكتشفوا مواد مثل البهار،  واكتشفوا ان هذه التوابل تحفظ الطعام لفترات طويلة، وكان البهار عبارة عن عملة صعبة وشيئًا فشيئًا دخلت مواد البهار في الصناعة، واتسعت الاسواق أيضًا،وفاض الانتاج ومن ثم تم الالتفات الى الشرق للمرة الثانية، وهي فتح أسواق للمنتجات الغربية.

وبدأت الصناعة تتطور باكتشاف الطاقة البديلة، وزيادة الانتاح تحتاج إلى زيادة العمالة، وفي هذا الوقت - نهاية العصور الوسطي - كان سكان اوروبا حوالي 9 مليون، من ضمنهم سكان الريف، فكانت الطبقة العاملة قليلة، ومن هنا جاءت فكرة الطاقة البديلة التي بسببها حدثت الثورة الصناعية بما جاء بناءًا عليها من توسع واحتلال وفتح أسواق خارجية بكل الطرق الممكنة السلمية منها وغير السلمية.

  • هل يمكننا اذن القول أن العلاقة الاستعمارية لا تزال قائمة؟

ربما يمكن القول أن العلاقة الاستعمارية لا تزال قائمة ولكن ليست بشكلها التقليدي كما أسلفنا، فقد حدث نوع من التطور وحركة وطنية واستقلال وتنمية اقتصادية نوعًا ما لا يمكن التغاضي عنها، وفي ذات الوقت ما زالت توجد معاكسات، لأنه لو تركك في نموك الاقتصادي لن يستطيع صرف الانتاج الزائد لزيادة دخله، وبالتالي يعمل على اعاقة الانتاج في الشرق وافريقيا وأي مكان يتاح له.

وأصبحت القوى القديمة تنافس الاقدم منها على السوق العالمي وهذه هو نوع العلاقة القائمة حتى الآن، كالهيمنة الأمريكية على السوق في الشرق كما يظهر للعيان، لنقول ببساطة "ربما الشكل الاستعماري التقليدى انتهى بينما مضمونه لا زال قائمًا ببقاء السيطرة".

  • كيف ترى الأزمة الراهنة بين مصر وأثيوبيا بسبب مياه نهر النيل وسد النهضة التي ترغب الأخيرة في استكماله عنوة كيفما يبدو؟

في كثير من الأحيان عند نشوب نزاع سياسي ما أو حدث ما هنا أو هناك يقال "فتش عن الاقتصاد"، وبورود الحديث عن أزمة سد النهضة أقول :"فتش عن إسرائيل"، هي في نظري من يقف وبشدة خلف السد الأثيوبي، لإجبار مصر والضغط عليها.

وكما أشرنا سلفًا، على مر العقود الأخيرة جرى التخلي تدريجيا عن افريقيا، أي منذ اقرار معاهدة 1979 المعروفة بـ "كامب ديفيد" حيث المادة الثالثة تقول: (لا يجوز لأحد الطرفين أن يؤيد طرف أو نشاط يعادي الطرف الآخر)، مثلا ان أعلنت مصر تأييدها لـ"حماس الفلسطينية" تكون مصر وفقًا لمفهوم هذه المادة خالفت المعاهدة، ومع ذلك إسرائيل تسمح لنفسها بأن تمارس نشاط يعادي مصر لكن لا أحد يقدر عليها الأن، حتى لو لجأوا الى الأمم المتحدة.

إذن أزمة سد النهضة هي جزء من محاولة اخراج مصر من الدائرتين العربية والإفريقية، ومسألة تخلي أثيوبيا عن المشروع غير مسموح بها بالنسبة للجانب الاسرائيلي، لأن تخليها هذا سيضيف قوة على قوة مصر، وذلك غير مطلوب ولذلك إسرائيل تسعى إلى عرقلة بعض الأمور أمام أثيوبيا لاستمرارها في موضوع السد وفي عز الازمة رئيس وزراء أثيوبيا أخد جائزة نوبل لتشجيعه على الاستمرار.. وهي الجائزة المشبوهة.

  • وفي اطار التدخلات بعض بلدان الاقليم في أمن أفريقيا مثل "ايران" على سبيل المثال، كيف تراها بماسعيها المضادة لاستتباب أمن البحر الاحمر، من ناحية السيطرة على المداخل والمخارج؟

السعي الإيراني الحثيث داخل الأراضي اليمنية عبر جماعة الحوثيين، يعد باب رئيسي لعرقلة جهود الاصلاح باليمن، وهو الأمر الذي يدلو بدلوه في مسألة أمن وامان البحر الاحمر، وهو الأمر المخيف ان طالت الأيادي الايرانية البحر الأحمر، سيعطيها فرصة للتحكم في الملاحة، وهو ما سيلقى بظلال الخطورة على البلدين الكبيرين في المنطقة (السعودية – مصر) ومن هنا لابد من حماية البحر الأحمر من الوقوع في يد إيران.

 

  • وفي نهاية المطاف، كيف ترى مستقبل أفريقيا، وفقًا لحاضرها، وتاريخها أي بعد مرور 60 عام على تحريرها من الاستعمار الأوروبي؟ وهل ترى أنها بالفعل تخلصت من ُار الاستعمار أم لا زالت تحيا في بعض جوانبه؟

أفريقيا اليوم تحيا – ولو شكلًا على الأقل-  في اطار الحكم الديمقراطي، أي أفريقيا للأفارقة، قد لا تخضع لأي قوة احتلالية من حيث المظهر، بينما الإشكالية داخل القارة السمراء تتلخص في عدم ادراكهم مدى الخطر الذي يأتيهم من البعيد عبر الاقتصاد، والمعني بالادراك هنا حتمية اتخاذ خطوات جادة نحو التنمية المحلية طلبًا للقوة وتجنبًا للتبعية، فمن الثابت أن الاقتصاد يؤثر في السياسة، بل أساس قوتها، وسبب الاستغناء.

 

اقرأ أيضا 

رئيس "أدفا العقارية" فى حوار لـ «المؤشر»: 2 مليار استثمارات الشركة خلال 2021

رجل الأعمال «فكري الهواري» فى حوار لـ «المؤشر»: السيسي حقق معجزة اقتصادية واستعاد مكانة مصر دولياً

سد النهضة يبور 2.5 مليون فدان ..والملء الثاني معناه «العطش»