أحفاد السيوفي
في رائعته رجل فقد ظله، كشف الروائي العالمي وأستاذ جيله فتحي غانم عن شخصية الانتهازي يوسف السيوفي، الذي قطع كل الأيادي، ودمّر كل الشخصيات التي امتدت لتنتشله من القاع وتضعه على القمة.
ارتدى السيوفي ثوب الندالة طوال رحلته الصحفية، متسلقًا على أكتاف من منحوه كل شيء، ليعتلي المناصب التي لهث خلفها طوال الوقت، ظنًّا منه أنه بذلك سيكسب كل شيء ويمحو تاريخه غير المشرف.
حينما تقرأ الرواية أو تشاهد الفيلم، تشعر وكأن الراحل العظيم "غانم" يشير بأصابعه إلى أشخاص بعينهم يعيشون بيننا، سرقوا أرفع المناصب التحريرية في غفلة من الزمن، وجعلوا من السيوفي مثلهم الأعلى في كل أفعالهم، ليؤكدوا أن السيوفي فكرة لا تموت.
لا يستحي هؤلاء من أفعالهم الشائنة طوال رحلتهم المليئة بما هو بعيد عن شيم الرجال، ظنًّا منهم أن المهنة بما فيها قد دانت لهم، وأنهم أصبحوا أربابها وقادتها، وهذا ما مكّنهم من إيهام البعض بقدراتهم على التحليل والرصد والمناورة وردّ الحقوق، وإطلاق الوعود الكاذبة، والتشدق بالبحث عن حقوق زملائهم، بينما هم في الأصل من يسعون للنَّيل منها إن أُتيحت لهم الفرصة، أو لمساعدة المعتدي عليها بكل ما أُوتوا من قوة.
واقع المهنة الحالي يكشف أننا نعيش هذه الرواية وهذا الفيلم بكل تفاصيلهما، ولكن هيهات! ففي عصر ثورة الذكاء الاصطناعي، أصبح الجميع تحت المجهر، وصار كشف الألاعيب والأكاذيب لا يحتاج سوى بضع دقائق من ترويجها.
وعي الجماعة الصحفية – التي تتحالف ضدها كل الظروف لتدفعها لأن تصبح مجرد حفنة من موظفي العلاقات العامة – لا يزال حاضرًا وكاشفًا. وبمجرد ظهور أحد أحفاد السيوفي، فإن رؤيتهم الثاقبة تتفحّصه كما ولدته أمّه، وعلى وجوههم ابتسامة ذوي الأفهام.
وإذا كانت الرواية أو الفيلم لا يستهويانك، فحسبك ما قاله الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – منذ قرابة 1400 عام، عندما سُئل: ما يُفسد أمر القوم يا أمير المؤمنين؟
فقال:
"ثلاثة وثلاثة: وضع الصغير مكان الكبير، ووضع الجاهل مكان العالم، ووضع التابع في القيادة.
فويلٌ لأمةٍ مالُها عند بخلائها، وسيوفُها بيد جبنائها، وصغارُها وُلاتها."