استخدام الذكاء الإصطناعي التوليدي في تحسين أنظمة إدارة سلامة الغذاء
المؤشر

شهد قطاع الصناعات الغذائية خلال السنوات الأخيرة تحولات جذرية نتيجة التحديات المتزايدة المرتبطة بسلامة الغذاء، والتي تشمل التغير المناخي، توسع سلاسل التوريد، وزيادة الطلب على الأغذية المصنعة.
بالتوازي، ساهم التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في تطوير أدوات تحليلية قادرة على تقديم حلول مبتكرة في هذا هذا المجال. أحد أكثر الفروع الواعدة هو الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، الذي يُمكنه إنشاء بيانات جديدة أو محاكاة سيناريوهات محتملة بناءً على أنماط سابقة. هذا المجال يُبشر بثورة في كيفية التنبؤ بالمخاطر الميكروبية وتحسين أنظمة إدارة سلامة الغذاء.
نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI
الذكاء الاصطناعي التوليدي هو فرع من الذكاء الاصطناعي يهدف إلى إنشاء محتوى جديد بناءً على أنماط مستخلصة من بيانات سابقة. خلافًا للذكاء الاصطناعي التقليدي الذي يقوم بالتنبؤ أو التصنيف فقط، فإن الذكاء التوليدي ينتج بيانات جديدة: نصوص، صور، بروتينات، وحتى بيانات غذائية اصطناعية.
ديناميكية عمل الذكاء الاصطناعي التوليدي
يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على تكنولوجيات متقدمة أبرزها النماذج المحوّلة (Transformers) وتستخدم في تحليل العلاقات داخل البيانات المتسلسلة (مثل النصوص أو سلاسل الجينوم) ومن الأمثلة التطبيقيةGPT-4, BioGPT . وأيضا نماذج الإنتشار Diffusion Models حيث تبدأ من بيانات مشوشة وتعيد بناء بيانات جديدة تحاكي الأصل بدقة ومن الأمثلة التطبيقية لها DALL•E, ProteinDiff. و أخيراً نماذج الشبكات التنافسية التوليدية GANs التي تولّد صورًا أو أنماطًا من خلال التنافس بين نموذجين. مثل توليد صور الطعام FoodGAN.
ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي التقليدي والتوليدي ؟
يُستخدم الذكاء الاصطناعي التقليدي أساسًا في عمليات التصنيف، التنبؤ، والكشف، حيث يعمل على تحليل البيانات للوصول إلى قرارات محددة مثل تحديد وجود Salmonella في منتج غذائي. وتكون مخرجاته عادةً على شكل نتائج رقمية أو احتمالية مثل نعم/لا أو درجة الخطر أو نوع الكائن. ويُعدّ هذا النوع من الذكاء الإصطناعي مناسبًا للبيئات الثابتة والمحددة مثل خطوط الإنتاج الروتينية، حيث تتسم بيانات التشغيل بالاستقرار النسبي. وعلى الرغم من دقته العالية، إلا أن قدرته على التعلّم المرن أو التعميم تبقى محدودة.
أما الذكاء الاصطناعي التوليدي فيتجاوز التحليل إلى إنتاج بيانات ومخرجات جديدة، مثل توليد سيناريوهات افتراضية للتلوث الغذائي أو تصميم خرائط مخاطر ديناميكية استنادًا إلى البيانات التاريخية. وتتميّز مخرجاته بالتفصيل والقدرة على محاكاة سلاسل زمنية لنمو الميكروبات أو تغيّر جودة المنتج. هذا النوع من الذكاء الاصطناعي أكثر مرونة وتكيفًا مع البيئات المعقدة والمتغيرة، ويتيح نقل المعرفة بين التطبيقات المختلفة بفاعلية أكبر.
أمثلة على استخدام الذكاء الإصطناعي التوليدي في مجال سلامة الغذاء
يُعد الذكاء الاصطناعي التوليدي آداة قوية في دعم القرارات في مجال سلامة الغذاء، خاصة في البيئات الصناعية المعقدة حيث تتداخل عوامل متعددة تؤثر على نمو الكائنات الدقيقة أو ظهور المخاطر. ومن أبرز التطبيقات:
1 - التنبؤ بسلوك البكتيريا والسموم
يمكن استخدام نماذج توليد سلاسل زمنية مثل TimeGAN أو Transformer-based models لمحاكاة نمو البكتيريا مثل Salmonella, Listeria, وE. coli داخل المنتجات الغذائية بناءً على مدخلات مثل درجة الحرارة والرطوبة والـ pH.
2 - تصميم خطوط إنتاج افتراضية آمنة
تُستخدم نماذج التوليد لمحاكاة تأثير سيناريوهات تشغيل مختلفةمثل تباطؤ سير الإنتاج أو تغيّر في درجة الحرارة داخل المصنع على انتشار الملوثات، مما يساعد على وضع سيناريوهات وقائية قبل حدوث الخطر.
3 - التنبؤ بالتفاعل مع مواد التعبئة والتغليف
النماذج التوليدية يمكن أن تتوقع كيف تتفاعل المواد النانوية أو مضادات الميكروبات مع الغذاء على المدى الطويل، مما يعزز الابتكار في تصميم مواد تعبئة ذكية وآمنة.
دراسات حالة حديثة
1 - مشروع FoodAI – في أوروبا عام2024
مشروع أوروبي طوّر نماذج توليدية لتقييم احتمالات التلوث الجرثومي في اللبن الخام استنادًا إلى بيانات سلسلة التوريد والاستشعار البيئي اللحظي عن بعد.
2 - منصة Generative Listeria Predictor – في جامعة Wageningen في 2025
أنشأت المنصة نموذجًا توليديًا يحاكي سلوك Listeria monocytogenes في الجبن الطري عند تغير ظروف التخزين. وقد ساعد هذا في تقليل الحاجة للتجارب المعملية وتسريع وقت إطلاق المنتج.
3 - معامل هيئة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية FDA عامي 2023–2024 .
استخدمت الهيئة نماذج مولدة لتوليد بيانات اصطناعية تحاكي نتائج اختبارات مسببات الحساسية في الأغذية المعبأة، مما ساعد في تدريب أنظمة الكشف الذكية قبل نشرها في السوق.
التحديات والقيود
رغم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي التوليدي، هناك عدد من التحديات التي يجب التعامل معها لضمان الاستخدام الآمن والفعال:
1. جودة البيانات
تعتمد النماذج على كميات ضخمة من البيانات عالية الجودة. وجود بيانات ناقصة أو منحازة قد يؤدي إلى نتائج خاطئة أو غير قابلة للتطبيق.
2. القابلية للتفسير
بعض النماذج التوليدية تُعد "صناديق سوداء" يصعب تفسير مخرجاتها، مما يُعيق استخدامها في بعض أنظمة ادارة سلامة الغذاء مثل الأيزو 22000: 2018 أو معايير FDA.
3. الاعتبارات الأخلاقية والأمنية
توليد بيانات أو محاكاة سيناريوهات حساسة (مثل التلوث الجرثومي العمدي) قد يُستخدم في الاتجاه الخاطئ إذا لم تُحكم الضوابط.
التوصيات المستقبلية
1 - يمكن دمج النماذج التوليدية في أنظمة الهاسب HACCPوالايزو ISOلتعزيز الاستجابة للمخاطر الديناميكية.
2 - العمل على تطوير منصات مفتوحة المصدر تتيح للباحثين والمصنعيين استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بسهولة في دراساتهم.
3 - المساهمة في التعاون متعدد التخصصات بين خبراء الأغذية، علم البيانات، والهندسة لتطوير حلول عملية آمنة.
4 - امكانية إنشاء بنوك بيانات غذائية معيارية لتغذية النماذج التوليدية بشكل موثوق.
مقال
استخدام الذكاء الإصطناعي التوليدي في تحسين أنظمة إدارة سلامة الغذاء والتنبؤ بالمخاطر وتحليل السلوك الميكروبي
إعداد
أ.د/ أمل محمود حسن عبد الحليم
رئيس بحوث - قسم بحوث تكنولوجيا المحاصيل- معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية