أحدث الأخبار

إذا كنت مواطنا عاديا فأنت بالتأكيد شممت في الهواء رائحة زيارة حد مهم هيعدي من دون أن يخبرك أحد وبالطبع لا تحتا

أميرة بهاء الدين أبو شقة,حد مهم هيعدي,بروفة كرنفالية,فك الديكور,السجاجيد الحمراء

رئيس التحرير
عبد الحكم عبد ربه
أميرة بهاء الدين أبو شقة تكتب حد مهم هيعدي

أميرة بهاء الدين أبو شقة تكتب حد مهم هيعدي

 

إذا كنت مواطنًا «عاديًّا»، فأنت بالتأكيد شممت في الهواء رائحة «زيارة حد مهم هيعدي»، من دون أن يخبرك أحد، وبالطبع لا تحتاج إلى بيان رسمي أو جدول زيارات، لأنها تبدو «مفاجئة»، لكنها معلومة مسبقًا عند البعض!

يكفي فقط أن تجد مكان الزيارة ـ بشكل مفاجئ، وعلى غير العادة ـ أصبح نظيفًا ويلمع، لا مخلفات، لا قاذورات، لا سيارات «مركونة»، وربما لا أحد يسير في الشارع، حتى أن البالوعات المغطاة بالصمت منذ سنوات، قد فُتحت ـ لا للصيانة ـ بل للتأكيد أن كل شيء على ما يرام، وأن البلد «تمام يا فندم»!

«قصة» مكررة دائمًا، تبدأ باتصال هاتفي قصير، يفيد أن «معالي حد مهم هيعدي»... هنا يتوقف الزمن، وتُرفع حالة الطوارئ، ثم يتحول مكان الزيارة على الفور إلى خلية نحل مزيفة!

تبدأ عملية تنظيف شاملة للمكان الذي وقع عليه حظ الزيارة، وتُشن حملات نظافة، وطلاء أرصفة، أو إعادة رصف، وزراعة شتلات مؤقتة، لحين انتهاء الزيارة، ثم رفعها مع الزينة وإعادتها إلى مخازنها، أو الأماكن التي أتت منها!

في المدارس ـ على سبيل المثال ـ يتحول اليوم الدراسي إلى بروفة كرنفالية... يُحشد الطلبة في الطابور قبل طلوع الشمس، يحملون لافتات تحمل شعارات منتهية الصلاحية، مثل «التعليم هو المستقبل»، و«نحن نصنع جيلًا واعيًا»، كما يتم تدريب بعض الطلاب على السلام الجمهوري، وكلمة «تحيا مصر» التي يجب أن تُقال بتنهيدة وطنية!

أما في «زيارة حد مهم هيعدي» بالمستشفيات، تبلغ الكوميديا ذروتها، حيث الأسِرَّة المتهالكة تُغطى بأغطية جديدة مُعارة، والمرضى يتم ترحيلهم ـ مؤقتًا ـ إلى أماكن «أقل ظهورًا»، وربما تُستقدم أجهزة طبية من مستشفيات أخرى، فقط من أجل «الصورة»، ويُطلب من الأطباء الذين يعملون في أسوأ الظروف، أن يبتسموا، ويرحبوا بالزيارة، وكأنهم يتقاضون رواتب سويسرية!

تلك المشاهد ـ المتكررة منذ عقود ـ في عديد من المصالح والمؤسسات والهيئات الحكومية، تذكرنا بمشاهد الفيلم الشهير «الوزير جاي» ـ الذي عُرض لأول مرة قبل أربعين عامًا ـ إذ تتحول المنطقة في ساعات قليلة، من خرابة مهملة إلى لوحة فنية مزيفة، خشية أن «تشوه المنظر العام»، وكأن تلك المشاهد من الممنوعات البصرية أمام عدسة «المسؤول المهم إللي هيعدي»!!

بكل أسف، العقلية لم تتغير، والسيناريو يُعاد بحذافيره، والحقائق يتم دفنها سريعًا تحت طبقات «الماكياج الإداري» المؤقت، حيث تُنظم البروتوكولات، ليكون «الموظف المِثال أو المثالي» أول من يقابل «المسؤول المهم إللي معدي»، ثم تُدار المقابلات، كما تُدار المسرحيات الهابطة!

اللافت في كل ذلك، أن «المسؤول المهم إللي معدي» يعلم تمامًا أن ما يراه ليس حقيقيًّا، فالرصيف الذي تم رصفه سريعًا أو طلاؤه ليلًا لن يصمد أسبوعًا، والجدران النظيفة تخفي وراءها ملفات مهملة منذ عقود، والابتسامات التي تلاحقه منذ لحظة نزوله من السيارة وحتى صعوده إليها مرة أخرى، مجرد فقاعات هواء ملوثة بالملل والخوف!

ما إن يغادر موكب «المسؤول المهم إللي معدي»، حتى تبدأ عملية «فك الديكور»، ويعود التراب إلى أماكنه الأصلية، ثم تتنفس الجدران الصعداء، ويستأنف الموظفون والأطباء والمدرسون وعمال النظافة واقعهم المرير من جديد، ويعود المرضى إلى الأسِرَّة التي لا تتحمل وزنهم، ويواجه الطلاب مصيرهم مع منظومة تعليمية عقيمة، ويعود المواطن إلى طابور الانتظار الممتد بطول البيروقراطية المتجذرة.

للأسف، الزيارة نجحت، «بس البلد مازالت مريضة».. لأن هدف الزيارة لم يكن حل مشكلات، بل مجرد التأكيد أمام الكاميرات أن «كله تمام»، فالعدسة لا تكشف سوى ما يُسمح به.. وتبقى الحقيقة مؤجلة لحين إشعار آخر، تمامًا كما نؤجل تطوير القطاعات الحيوية إلى «الخطة القادمة»، أو «الموازنة القادمة»، أو «الحكومة القادمة»!!

إذن، لتُرفع اللافتات، وتُفرش السجاجيد الحمراء، وتُنَظَّف الشوارع، لأن «حد مهم هيعدي»... أما نحن، فسنظل واقفين على الرصيف، ننتظر مرور الموكب بسلام، ونبتسم رغمًا عنا، ثم نردد مع الجميع: «كله تمام... يا فندم»!